الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فاسألوهن مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} المتاع الحاجة من الأثاث وغيره، وهذه الآية نزلت في احتاجب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وسببها ما رواه أنس من قعود القوم يوم الوليمة في بيت زينب، وقيل: سببها أنّ عمر بن الخطاب أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحجب نساءه، فنزلت الآية موافقة لقول عمر، قال بعضهم لما نزلت في أمهات المؤمنين {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فاسألوهن مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} كن لا يجوز للناس كلامهن إلا من وراء حجاب، ولا يجوز أن يراهن متنقبات ولا غير متنقبات، فخصصن بذلك دون سائر النساء {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يريد أنقى من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء والنساء في أمر الرجال {وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ} سببها أن بعض الناس قالوا: لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوّجت عائشة، فحرم الله على الناس تزوج نسائه بعده كرامة له صلى الله عليه وسلم.{لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ} الآية: لما أوجب الله الحجاب أباج لهن الظهور لذوي محارمهن من القرابة وهم: الآباء، والأبناء، والإخوة، وأولادهم، وأولاد الأخوات {وَلاَ نِسَآئِهِنَّ} قيل يريد بالنساء القرابة والمصرفات لهن، وقيل: يريد نساء جميع المؤمنات، ويقوي الأول تخصيص النساء بالإضافة لهن، ويقوي الثاني أنهن كن لا يحتجبن من النساء على الاطلاق {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} واختلف فيمن أبيح لهن الظهور له من ملك اليمين، فقيل: الإماء دون العبيد، وقيل: الإماء والعبيد، وهو أولى بلفظ الآية، ثم اختلف من ذهب إلى هذا فقال قوم: من ملكه من العبيد دون من ملكه غيرهن، وهذا هو الظاهر من لفظ الآية، وقال قوم: جميع العبيد كن في ملكهن أو في ملك غيرهن.{إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا معنى صلاة الله وصلاة الملائكة في قوله: {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] {صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض إسلاميّ، فالأمر به محمول على الوجوب، وأقله مرة في العمر، وأما حكمها في الصلاة: فمذهب الشافعي أنها فرض تبطل الصلاة بتركه، ومذهب مالك أنها سنة وصفتها ما ورد في الحديث الصحيح: «اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» وقد اختلفت الروايات في ذلك اختلافًا كثيرًا أما السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يريد السلام عليه في التشهد في الصلاة، أو السلام عليه حين لقائه، وأما السلام عليه بعد موته فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من سلم عليّ قريبًا سمعته، ومن سلم عليّ بعيدًا أبلغته، فإن الله حرم على الأرض أن تأكك أجساد الأنبياء».{إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} إذاية الله وهي بالإشراك به ونسبة الصاحبة والولد به، وليس معنى إذايته أنه يضره الأذى، لأنه تعالى لا يضره شيء ولا ينفعه شيء، وقيل: إنها على حذف مضاف تقديره: يؤذون أولياء الله، والأوّل أرجح، لأنه ورد في الحديث يقول الله تعالى: «يشتمني ابن آدم وليس له أن يشتمني، ويكذبني وليس له أن يكذبني، أما شتمه إياي فقوله: إن لي صاحبة وولدًا، وأما تكذيبه إياي فقوله: لا يعيدني كما بدأني» وأما إذاية رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي التعرض له بما يكره من الأقوال أو الأفعال، وقال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا عليه حين أخذ صفية بنت حييّ.{والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} الآية: في البهتان وهو ذكر الإنسان بما ليس فيه، وهو أشد من الغيبة، مع أن الغيبة محرمة، وهي ذكره ما فيه مما يكره.{يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعيًا إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن، ويفهم الفرق بن الحرائر والإماء، والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار، وقيل: هو الرداء وصورة إدنائه عند ابن عباس أن تلويه على وجهها حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها وقيل: أن تلويه حتى لايظهر إلا عيناها، وقيل أن تغطي نصف وجهها {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} أي ذلك أقرب إلى أن يعرف الحرائر من الإماء فإذا عرف أن المرأة حرة لم تعارض بما تعارض به الأمة، وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي، إنما المراد أن يفرق بينها وبين الأمة، لأنه كان بالمدينة إماء يعرفن بالسوء وربما تعرض لهن السفهاء.{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} الآية: تضمنت وعيد هؤلاء الأصناف إن لم ينتهوا، وقيل: إنهم لم ينتهوا: ولم ينفذ الوعيد عليهم ففي ذلك دليل على بطلان القول بوجوب إنفاذ الوعيد في الآخرة، وقيل: إنهم انتهوا وستروا أمرهم، فكف عنهم إنفاذ الوعيد، والمنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ويخفون الكفر، والذين في قلوبهم مرض: قوم كان فيهم ضعف إيمان، وقلة ثبات عليه، وقيل: هم الزناة؛ كقوله: {فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]، {والمرجفون فِي المدينة} قوم كانوا يشيعون أخبار السوء ويخوفون المسلمين، فيحتمل أن تكون هذه الأصناف متفرقة، أو تكون داخلة في جملة المنافقين، ثم جردها بالذكر {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي نسلطك عليهم وهذا هو الوعيد {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ} ذلك لأنه ينفيهم أو يقتلهم، والضمير المجرور للمدينة {إِلاَّ قَلِيلًا} يحتل أن يريد إلا جوارًا قليلًا أو وقتًا قليلًا أو عددًا قليلًا منهم، والإعراب يختلف بحسب هذه الاحتمالات، فقليلًا على الاحتمال الأول مصدر، وعلى الثاني ظرف، وعلى الثالث منصوب على الاستثناء.{مَّلْعُونِينَ} نصب على الذم، أو بدل من قليلًا على الوجه الثالث؛ أو حال من ضمير الفاعل في يجاورونك تقديره: سينفون ملعونين {أَيْنَمَا ثقفوا أُخِذُواْ} أي حيث ما ظفر بهم أسروا، والأخذ الأسر.{سُنَّةَ الله} أي عادته ونصب على المصدر {فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} أي عادته في المنافقين من الأمم المتقدمة وقيل: يعني الكفار في بدر، لأنهم أسروا وقتلوا.{تَكُونُ قَرِيبًا} إنما قال قريبًا بالتذكير، والساعات مؤنثة على تقدير شيئًا قريبًا، أو زمانًا قريبًا، أو لأن تأنيثها غير حقيقي.{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار} العامل في يوم قوله: {يَقُولُونَ} ألا يجدون أو محذوف، وتقليب وجوههم: تصريفها في جهة النار كما تدور البضعة قطعة اللحم في القدر إذا غلت من جهة إلى جهة، أو تغيرها عن أحوالها.{لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى} هم قوم من بني إسرائيل، وإذايتهم لهم: ما ورد في الحديث: «أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، وكان موسى يستتر منهم إذا اغتسل، فقالوا: إنه لآدر» آدر: أي فيه عيب في خصيته، «فاغتسل موسى يومًا وحده وجعل ثيابه على حجر، ففر الحجر بثيابه، واتبعه موسى وهو يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، فمر في أتباعه على ملأ من بني إسرائيل فرأوه سليمًا ما قالوا، فذلك قوله: {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ}»، وقيل: إذايتهم له أنهم رموه بأنه قتل أخاه هارون، فبعث الله ملائكة فحملته حتى رآه بنو إسرائيل ليس فيه أثر فبرأ الله موسى، وروي أن الله أحياه فأخبرهم ببراءة موسى، والقول الأول هو الصحيح لوروده في الحديث الصحيح {قَوْلًا سَدِيدًا} قيل: يعني لا إله إلا الله، واللفظ أعم من ذلك.{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال} الأمانة هي التكاليف الشرعية من التزام الطاعات وترك المعاصي، وقيل: هي الأمانة في الأموال: غسل الجنابة، والصحيح العموم في التكاليف، وعرضها على السموات والأرض والجبال يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون الله خلق لها إدراكًا فعرض عليها الأمانة حقيقة فأشفقت منها، وامتنعت من حملها، والثاني أن يكون المراد تعظيم شأن الأمانة، وأنها من الثقل بحيث لو عرضت على السموات والأرض والجبال، لأبين من حملها وأشفقن منها، فهذا ضرب من المجاز كقولك: عرضت الحمل العظيم على الدابة فأبت أن تحمله، والمراد أنها لا تقدر على حمله {وَحَمَلَهَا الإنسان} أي التزم الإنسان القيام بالتكاليف مع شدة ذلك، وصعوبته على الأجرام التي هي أعظم منه، ولذلك وصفه الله بأنه ظلوم جهول، والإنسان هنا جنس، وقيل: يعني آدم، وقيل: الذي قتل أخاه {لِّيُعَذِّبَ} اللام للصيرورة، فإن حمل الأمانة: كان سبب تعذيب المنافقين والمشركين، ورحمة للمؤمنين. اهـ.
|